وقفة أمام خيام المبعـدين /الشاعر عبدالرحمن العشماوي
مضى ليل وأعقبه الصباح **** وما رحلت عن القلب الجراح
أرى عصفور أحلامي أمامي **** وما غنى ولا خفق الجناح
أشاهد من وراء الغيب وجها **** تجلى في ملامحه ارتياح
وأطمح للقاء به ولكن **** متى هذا اللقاء به يتاح
كأني والقوافل ماضيات **** طريد مات في فمه الصياح
تلفت يمنة فرأى سرابا **** وعن يسراه وافاه النباح
فأرخى طرفه وبكى وأبكى **** ودمع الحر في الشكوى مباح
وقفت على مشارف ذكرياتي **** أراقب من غدوا عنا وراحوا
خيول الراحلين لها صهيل **** وقد ضاقت بمن رحلوا البطاح
أسائلهم ولو نطقوا لقالوا **** من الأحياء موتانا استراحوا
أرى نخل المشاعر باسقات **** عليها من مهابتها وشاح
أراها لا عذوق لها ولكن **** لها سعف تغاض به الرماح
وكيف تريد ثمرا من نخيل **** إذا لم يجر في دمها اللقاح
تسائلني الحبيبة كيف أشدوا **** بأحزاني أفي الحزن انشراح
فقلت لها لأن الحزن شعر **** وبينهما انغلاق وانفتاح
وما كل الذين بكوا حزانى **** وإن نطقوا بشكواهم وباحوا
بكاء البلبل الشادي غناء **** وشدو حمائم الدوح النواح
ولو أني أبوح بما أعاني **** لما وفى الأساس ولا الصحاح
رأيت المبعدين ولو رآهم **** كرؤيتنا لأنجدهم صلاح
لدى رابين مدفأة وبيت **** يظلله وريحان وراح
وحراس يروح بهم ويغدو **** وساحات ممهدة فساح
وهم فوق الجليد ولا قريب **** يناصرهم ولا أمل متاح
إذا سكنوا الخيام شكوا صقيعا **** وتلطمهم إذا خرجوا الرياح
أحبتنا لكم منا سلام ، لكم **** من بلبل الشوق الصداح
لكم من وزن شعري ما تساما **** ومن ألفاظه الغرر الفصاح
رأيناكم فما للحزن حد **** ولا للهيبه عنا براح
على أحزاننا نمسي ومنها **** كون إذا بدا الفجر (الصباح)
تراكم أمتي بعيون حيرى **** يعطلها عن السير الكساح
تتوق شعوبها للذود عنكم **** ولكن ما بأيدهم سلاح
شعوب تكره الباغي ولكن **** من الحكام للباغي السماح
تسائلني فلسطين المآسي **** وقد دارت بحسرتها القداح
متى تصحو ربوعي ذات يوم **** على صوت يُفك به السراح
متى أصحو على تكبير جند **** وتهليل يطيب به الكفاح
حبيبتنا اعذرينا إن فينا خضوعا **** لا يروق له (اقتماح)
تصاغ من السلام لنا دعاوى **** وفي الأقصى ولبنان اجتياح
إذا باع الفتى للوهم عقلا **** ففكرته التي ولدت سفاح
ولولا أن في الدنيا انتكاسا **** لما عشقت مسيلمةً سجاح